الخميس، 10 فبراير 2011

في الادب والفكر تقريع العوام ولقاح الافهام

لله دره المتنبئ حين قال
ومن صحب الدنيا طويلا تقلبت
على عينه حتى يرى صدقها كذبا

فبعقله الفطن وحكمته البدوية , ادرك ما انفق فيه الفلاسفة دهرا طويلا , ادرك ان الحقيقة ( الدنيا ) غير جامدة وان معرفة الانسان المتجددة بالكسب وبطول التجربة كفيلة ان تدلل على مرونة الحقيقة وديناميتها حتى يظن الرائي ان لا حقيقة وكلها اوهام .
ونحن هنا لا ننشد حكمة المتنبئ بعقله الطماح , بل كل مسعانا هو ان نتجرد للمتجاسرين من ( العوام ) على شئون الخاصة وهؤلاء في بلادنا من كثرتهم ومن سوء تدليسهم وتجنيهم على اهل الدربة بتنا نشك في ان في هذه البلاد بعض من العارفين ،،،
سائني هذا الامر كثيرا مما دفعني لاوليه قدرا كبيرا من التامل فاوصلني تاملي لحقائق عدة ارتايت ان اجرد عنها السواتر لتبين سوئتها اولها في أننا في السودان ضحايا لثقافة شفوية oral culture متجذرة في الوعي الجمعي السوداني , نلحظ هذا الامر في القاموس اللغوي السوداني ( بقولو , قالو لي ) ولو سالت القائل عن من يروي عنهم ( ديل منو البقولو ؟؟ ) حتما ستكون الاجابة ( جماعة كدة !! ) شملت هذه الثقافة الشفوية كل مناحي الحياة وتجاسر كثير من الادعياء والعوام في ما لا يعرف ،،، ( في الرياضة , السياسة , الاقتصاد , الادب , النقد , الفكر , الفنون) .
هذا التجني لم يقف على ما اسلفنا بل امتد حتى إلي العلوم التطبيقية التي من فرط دقتها لا تحتمل قليلي المعرفة من اهل المجال بله المتجاسرين من العامة , يصيبني الذهول عندما اجد ( والدتي ) تتخير ما شاءت من اصناف العقاقير الطبية وتتناوله دون الرجوع لطبيب , وعندنا احتج على سوء هذا الامر تردد لي الجملة المحفوظة ( اسئل مجرب وما تسال طبيب ) , في رايي اننا نعايش ازمة شاملة هي ( عدم التخصص وعدم المنهجية ) وما كان لنا ألا ان نتجرد لها بالنقد والتنوير وليس في ما ذهبنا اليه تماهيا مع الذات او ان نحسب اننا من الخاصة دون العامة , فما لنا فيه علم نحن خاصة فيه وما ليس لنا علم به فنحن عوام فيه .
الحقيقة الثانية وهي مرتبطة بشكل وثيق بالاولى , وهي اننا غير متجردين في الحقائق ولا نبحث عنها , وحتى عندما تبدو لنا نواريها بعويش ( الجودية ) فكثيرا ما لاججنا جهال القوم وعندما تشهر لهم سيف العلم ورصانة المنهج يعمد الناس الى التوسط والمداراة ،،
يحضرني في شان عدم بحثنا عن الحقيقة وتجردنا في الحق حادثة حدثت في مسجد كوستي الكبير ،، وهي ان احد الاخوان الجمهوريين خطب في جمع من العامة فيه,, فسحر البابهم برصانة علمه وبليغ بيانه حتى اهتزت رؤوسهم من جميل قوله وهم لا يعرفون انه جمهوري , فاتاهم احد السوقة يلومهم ( كيف تسمعوا للجمهوري ده , فقاموا على الاخ الجمهوري فضربوه حتى ادموه ) .
ياربي!!! اولم يسمع هولاء السوقة قول سيدي علي الكرار ( اعرف الحق تعرف رجاله ) فتركوا جميل قوله وانصرفوا لما سمعوه من ثقافة شفهية تقول بكفر الجمهوريين ، ومن هولاء العامة من تكالب على الادب ظانا ان رحابته التعبيرية تحتمل لغوه وسوء تدبيره ،، وتناسى او نسي ان الادب تحكمه صرامة النقد وقواعده الادبية , بل ذهبوا في تدليسهم اكثر من ذلك تجاوز قواعد الادب بانكارهم ان ليس للادب قواعد اصلا وباتوا يرددون العبارات المستهلكة ( الحداثة في الادب تتطلب التمرد ) وبالتاكيد نحن لا نجيش الجيوش لتحول دون تحديث الادب فالتحديث ناموس الحياة لكن هذا التحديث يجب ان يكون وفق ضوابط وقواعد لا نشترط ان تكون هي نفس القواعد القديمة او كما قال معاوية محمد نور , وبرتنارد رسل ( كل صاحب مدرسة ادبية جديدة هو مطالب بالضرورة بان يقدم قواعد خاصة بها او يحتكم للقواعد القديمة ) لانه لابد للادب من معيار وينسحب هذا الامر على ضروب الفنون من تشكيل وغناء ونحت فللمدرسة السيريالية في التشكيل قواعد تقاس بها كما لغيرها ويجب للمجدد ان ياتي بقواعده او يحتكم للقديم اما ما يدعون له من تمرد فهو تمرد غير مضبوط يفقد الادب منهجيته فشاننا مع هولاء ( نجالدهم حتى يستبينوا النصح ) او يبينوا لنا ختل ما ذهبنا اليه . أقول قولي هذا آملا أن يفتح هذا المقال مساحات رحبة للتفاكر والنقاش......






محمد بابكر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق